رحلة تحقيق المخطوطات العربية في الدراسات العليا: نموذج كتاب "مصارع العشاق" للشيخ الفقيه جعفر السراج

التواصُلُ بين أبناءِ الثقافةِ الواحِدة عَبر قُرونٍ وعُهودٍ يَتَأتّى بِدِراسةِ الكلمةِ المُدَوَّنة، ويؤتي ثِمارَه بالاستفادةِ مِمّا سَجّله عُلماءُ هذه الثقافةِ أو تلك عن مَظاهِر الحَياةِ المُتنوّعة آنذاك، ليعرف أبناءُ المراحل التالية تفاصيل اجتماعيّة ودينيّة واقتصاديّة وسياسيّة وعِلميّة يبنون عليها مَعرفتهم ويُتابعون مِن خلالها أعمالهم، ويستمرّون في شَقِّ طريقِ المعرفة الواسِع. فالحضاراتُ تُبنَى بتدوين مَعرفة كلِّ عهدٍ وثقافته وفُنونه، وتُراث الأُممِ يُحدّد مَكانَتَها وأسبقيّتها ومدَى تألّق أعلامها في زمانها. ولذلك فإنّ لِلمَخطوطاتِ أهمّيّةٌ كبيرةٌ في دِراسةِ التراثِ والكشفِ عن الجَوانب الفِكريّة والاجتماعيّة للعصرِ الذي كُتب فيه المَخطوط. وتحقيقُ المخطوطاتِ مسؤوليّةٌ عِلميّةٌ وأدبيّةٌ واجبةٌ على أبناءِ الحضارةِ مِن جِيلٍ لآخر، لتقدير قيمةِ الإرثِ الثقافي وتتبّعِ مَسيرةِ البناء المعرفي الشاهق. ويحظى أبناءُ الحضارةِ العربيّة الإسلاميّة بِمِيزةِ الوِحدة اللغويّة واحتفاظ اللغة العربيّة بأبجديّتها وقَواعدها وجُملِها وتراكيبها، مِمّا يُيسّر لهم القيام بواجبهم في تحقيقِ ما تركه عُلماءُ الأمّة ومُفكّروها وأدباؤها وفقهاؤها مِن كُتُبٍ وأعمال ما زالت مخطوطة. وإنّ للدراسات العليا أحقّيّة في تكليف طلّابها للحُصول على درجاتٍ عِلميّة في التحقيقِ ودِراسةِ المخطوطات وطباعتها والاستفادةِ مِنها.