بنية أخلاقية بالمنظور الحديث، سواءٌ الأخلاق المعيارية أم التطبيقية، وهي محاولة لتجاوز مجرد الانشغال بالصياغة المعاصرة للأحكام الفقهية إلى معالجة مشاغل حديثة وتأمل العقل الفقهي نفسه من خلال موضوعاته وأحكامه. ويتخذ الباحث من أحكام الإجهاض في المذهب الحنبلي نموذجًا تطبيقيًّا للقراءة المنظومية الأخلاقية التي يقترحها، وهي تعني أربعة أمور: الأول: اعتبار أحكام الجنين في مختلف الأبواب منظومةً متكاملةً وحَمْل بعضها على بعض، والثاني: تَتَبع عِلَل الأحكام التي تختلف بحسب كل مسألة، والثالث: استيعاب كتب المذهب بأشكالها المختلفة، والرابع: الجمع بين الفروع والأصول عبر تأمل منهجية الحنابلة في تقرير مسائل الإجهاض.
وبناء على هذه القراءة المنظومية اتضح أن أحكام الإجهاض في المذهب تدور على ثلاثة أوصاف هي: انعقاد النطفة ولدًا بِتَحولها إلى علقة وهو أول أحوال الحمل، والتخليق وهو ظهور صورة الإنسان فيه أو بعضها، ونفخ الروح. وتختلف أحكام الجنين - وهي كثيرة - بحسب هذه الأوصاف وجودًا وعدمًا، وقد أثبت الحنابلةُ للجنين نوع استقلالية ولكنها ليست مطلقة، فحياة الجنين ليست كاملة ما دام يتحرك بغيره.